في تأبين الأستاذ <br>مجيد أبو صالح - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني
حامد الحلبي

 
في تأبين الأستاذ مجيد أبو صالح
حامد الحلبي - 18\01\2013

• يقول المتصوف الكبير والشاعر المبدع جلال الدين الرومي :
• " تراكَ استمعتَ إلى حكايا الناي ، وأنين اغترابه... ،إنه يشكو ألم الفراق ، فيقول: إنني مُذ قُطعت من مَنبت الغاب ،لم ينطفئ بي هذا النُّواح...لذا ترى الناسَ ،رجالاً ونساءً يبكون لبكائي...فكل إنسانٍ أقام بعيدا عن أصلِه ،يظل يبحث عن زمان وصلِه....إن صوتَ الناي نارٌ لا هواء... ،فلا كان من لم تضطرم في قلبه هذه النار ..."
• لقد اضطرمت نيران الوجد هذه ،في قلب الأخ المرحوم أبو فارس مجيد أبو صالح ،الذي فارقنا مؤخرا ،وبقيت ارضُ الجولان ، وهواءُ مجدل شمس ، وبيوتها ، وطرقاتها ،وناسها ،شعلةً متقدة في عقله وفي قلبه ..وهذه الشعلة تشملنا جميعا- نحن النازحين من جولاننا الحبيب داخل الوطن الأم سورية – فهي حالة عامة فينا ،لاتنتهي إلا بعودتنا إلى منبت حياتنا وملاعب طفولتنا .

المرحوم مجيد أبو صالح

• إن هذا الوفاء الكبير والحنين للجولان ، أرضا وأهلا.. هو الذي دفع المرحوم إلى بناء بيت مقابل مجدل شمس ليمتع ناظريه من شرفة هذا البيت بمنظر بلدته ،وينتعش بالهواء القادم منها.
• وهذا الحنين والوفاء – بالإضافة إلى وطنيته العميقة – هو الذي جعل المرحوم يقدّم كل ما استطاع من جهد وعمل في سبيل خدمة قضية الجولان ، التي هي قضية سورية وطنية عامة –بالإضافة إلى خدمته الكبيرة لوطنه.
• وكان المرحوم يقدم جهوده بشكل هادئ وفعّال ،بعيدا عن الضجيج وحب الظهور وتسجيل المواقف ... وهذه الجهود نعرفها جيدا – نحن الذين اشتغلنا في خدمة الهم الجولاني العام- بقدر ما استطعنا وما سمحت لنا به الظروف منذ الاحتلال وحتى الآن.
• وفي هذا المجال ، أشهد أنه من الذين كانوا يعملون أضعاف ما يتكلمون ،فحيثما كانت تواجهنا العراقيل ، نجد في المرحوم خير المساعد وخير المعين. وهذا ما خبرتُه شخصيا في عملي التربوي الثقافي في البرامج التلفزيونية السورية الموجهة إلى الجولان المحتل على مدى عشرات السنين.
• وتفاصيل جهود المرحوم – لايتسع المجال لسردها هنا- ، وهي محفوظة في وجداننا وستصل إلى عموم الناس إنشاء الله ،وفاءً له وللجولان.
• ومن الأمثلة التي أذكرها مثالا عن بعده عن الضجيج الإعلامي ، أنه في التسعينيات من القرن الماضي –وكان المرحوم يعمل معاونا لوزير الخارجية – جاءني زميل في التلفزيون ،كان يدير برنامجا حواريا وسياسيا معروفا ،وتكلم معي عن المرحوم وكيف انه اتصل به ليستضيفه في برنامجه ،فاعتذر منه بكل لباقة وحزم.
وقال لي ذلك الزميل : أنت صديق الأستاذ مجيد ، وابن بلده ،فأرجو أن تساعدني في إقناعه بان يقبل استضافتي له في برنامجي ، فأجبته انه بالتأكيد لديه أسبابه ،ولا أحب أن اضغط عليه....فعاد للإلحاح عليّ كي أقنعه ... فقلت له: سأحاول ... وحاولت فعلا أن أقنعه ،لأنه صاحب خبرة عميقة ،وتحليل دقيق للأمور ، فكرر اعتذاره ثانية ، وقال بما معناه ، انه يفضل أن يركّز على القيام بعمله أكثر من الحديث عن هذا العمل .
• لقد عمل المرحوم سفيرا لسورية في دول عديدة ، وشغل مناصب عالية ،ومراكز حساسة في إدارات الدولة ،وكان فيها جميعها ،رجل دولة من الطراز الرفيع ، وكان الإنسان الكفؤ ، نظيف اليد ، عفيف اللسان ،صاحب الأخلاق العالية والمتينة ، ولم يتأثر بأي شكل من أشكال الفساد الذي أغرى الكثيرين للسقوط فيه....واستقامته هذه سببت له بعض العناء ممن لا تعجبهم الاستقامة .
• وبعد أن تقاعد من عمله ، كانت لديه فسحة من الوقت للتعبير عن مشاعره الإنسانية على شكل نفحات أدبية ،عبّر عنها في خواطر ومقالات تنم عن روح أدبية وعاطفية ذات عمق إنساني جميل ، وقد نشر بعضا منها ، ومعظمها يدور حول حنينه للجولان....
• لقد تميز المرحوم بالفهم العميق للناس و للأحداث ،وبالتمسك بجوهر الأمور ،وكان من الذين تشرفَت بهم الكرسي ، لا العكس... ، وكم كان يكره الانتهازيين والمتسلقين على المناصب ، وعلى أكتاف الآخرين... ، فلطالما كان يشكو من هؤلاء ، وينتقدهم بمرارة ،ولاسيما أولئك الأشخاص الذين يدعون انه في صفّهم ، ويتمسّحون به ،وهو لا علاقة له بهم ، لأنه كان دائما اكبر من الاصطفافات الضيقة الأفق . وكان دائما يقول: " في النهاية ، لا يصح إلا الصحيح " .
• فيا أخي " أبو فارس" تحية لك ...، وأسفا عليك... ،لقد خسرناك صديقاً وفياً وخسرك الوطن والقضية الوطنية... ،فقد عشت حياةً كنت فيها صاحب النفس النبيلة ، والهمة العالية ،ونلت محبة واحترام كل من عرفك .......وكما كان الجولان ومجدل شمس عشقا نابضا في قلبك..ستبقى ذِكراً نابضا فيهما ..،وفي قلوب كل من عرفك وأحبك ، وبهذا يتحقق (( زمان وصلك)) –على حد قول جلال الدين الرومي- ... فالذكر الطيب هو الوصال الدائم .....
• اعزي نفسي بك ، واعزي أسرتك الكريمة ، وعائلتك ، وعموم أهلنا في الجولان ، وجميع محبيك ومعارفك.... - رحمك الله- .